Quantcast
Channel: منتديات الجمال المغربي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 6865

هل يعد الغريق السكران من الشهداء ؟ ابن عثيمين

$
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال
:

في بداية هذه الحلقة وصلت رسالة إلى البرنامج، رسالة من المستمع سوداني مقيم في اليمن، الشطر الشمالي، محمد مسعد الفرح، يقول: لقد قرأت حديثاً للصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما تعدوا الشهيد منكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل. قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات بالبطن فهو شهيد، والغريق شهيد». رواه مسلم. السؤال هل من مات غريقاً وهو سكران تكتب له الشهادة، علماً بأن الغريق يعد شهيداً حسب نص الحديث، نرجو من فضيلة الشيخ محمد إفادة بارك الله فيكم؟

الجواب:

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، قبل الإجابة عن هذا السؤال، أود أن أنبه إلى أن في عصرنا هذا أصبح الشهيد رخيصاً عند كثير من الناس، حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً للشهادة، وهذا أمر محرم، فلا يجوز لأحد أن يشهد لشخص بشهادة، إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين، أحدهما أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فارتج الجبل بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان». فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، شهدنا له بأنه شهيد تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً له في ذلك. والقسم الثاني فيمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة على وجه العموم، كما في الحديث الذي أشار إليه السائل، فإن من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، والغريق شهيد، إلى غير ذلك من الشهداء الذين ورد الحديث بالشهادة العامة من غير تخصيص رجل بعينه، وهذا القسم لا يجوز أن نطبقه على شخص بعينه، وإنما أقول: من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد، ولا نخص بذلك رجلاً بعينه، لأن الشهادة بالوصف قول الشهادة بالعين، وقد ترجم البخاري رضي الله عنه في هذه المسألة، فقال: باب (لا يقال فلان شهيد)، واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والله أعلم بمن يجاهد في سبيل الله»، وقوله: «والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله»، أي: بمن يجرح. وساق تحت هذا العنوان الحديث الصحيح المشهور في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان شجاعاً مقداماً، لا يدع للعدو شادة ولا فاذة إلا اتبعها، يضربها بسيفه، فامتدحه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق البخاري رحمه الله الحديث بطوله، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يظن الناس وهو من أهل النار»، وهذا الاستدلال الذي استدل به البخاري رحمه الله على الترجمة استدلال واضح، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «والله أعلم بمن يجاهد في سبيله»، أو [بمن يقتل في سبيله] يدل على أن الظاهر قد يكون الباطن مخالفاً له، والأحكام الأخروية تجري على الباطن، لا على الظاهر، وقصة الرجل التي ساقها البخاري رحمه الله تحت هذا العنوان ظاهرة جداً، فإن الصحابة رضي الله عنهم أثنوا على هذا الرجل بمقتضى ظاهر حاله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إنه من أهل النار، فاتبعه رجل من الصحابة رضي الله عنهم، ولزمه، فكان آخر عمل هذا الرجل أن قتل نفسه بسيفه. فنحن لا نحكم بالأحكام الأخروية على الناس بظاهر حالهم، وإنما نأتي بالنصوص على عمومها، والله أعلم هل تنطبق على هذا الرجل الذي ظاهره لنا أنه متصف بهذا الوصف الذي علق عليه الحكم، وقد ذكر صاحب الفتح، أعني: فتح الباري، وهو شرح صحيح البخاري المشهور، ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال: إنكم تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيداً، ولعله قد يكون قد أوغر راحتله، ألا لا تقولوا ذلك، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد». قال في الفتح: وهو حديث حسن. وعلى هذا فنحن نشهد بالشهادة على صفة ما جاء بها النص، إن كانت لشخص معين، شهدنا بها لشخص معين، الشخص الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت على سبيل العموم، شهدنا بها على سبيل العموم، ولا نطبقها على شخص بعينه، لأن الأحكام الأخروية تتعلق بالباطن، لا بالظاهر، ونسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا. وبناء على هذا فإن القول الثابت: لو غرق الإنسان، وهو سكران، فهل يكون من الشهداء؟ فإننا نقول: لم نشهد لهذا الغريق بعينه أنه شهيد، سواء أنه قد كان قد شرب الخمر، وسكر، ثم غرق حال سكره، أم لم يشربها، ثم إنه بمناسبة ذكر السكر يجب أن نعلم أن شرب الخمر من كبائر الذنوب، وأن الواجب على كل مسلم عاقل أن يدعها، وأن يجتنبها كما أمره بذلك ربه عز وجل، فقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾، ومن شربها حتى سكر، فإنه يعاقب بالجلد، فإن عاد، يجلد مرة أخرى، فإن عاد جلد مرة ثالثة، فإن عاد في الرابعة، فإن من أهل العلم من قال: يقتل لحديث ورد بذلك، ومنهم من قال: إنه لا يقتل، وإن الحديث منسوخ، ومنهم من فصل كشيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: إنه يقتل إذا جلد ثلاثاً أو أربعاً، ولم ينته. قال شيخ الإسلام: إنه يقتل إذا لم ينته الناس بدون قتل، يعني: بحيث انتشر شرب الخمر في الناس، ولم ينتهوا عنه بتكرر العقوبة عليهم، فإذا لم ينتهوا إلا بالقتل فإنه يقتل، وعلى كل حال فإن الواجب على المؤمن اجتناب ذلك، وأن نسعى جميعاً إلى الحيلولة دون انتشاره بكل وسيلة، والله الموفق.

Viewing all articles
Browse latest Browse all 6865

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>